سورة الكهف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} كلام مستأنف بيان للأجر المبهم، ولك أن تجعل {إنَّا لا نضيع} و{أولئك} خبرين معاً. والمراد من أحسن منهم عملاً كقولك (السمن منوان بدرهم)، أو لأن {من أحسن عملاً} و{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ينتظمهما معنى واحد فأقام من (أحسن) مقام الضمير {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ} {من} للإبتداء، وتنكير أساور وهي جمع أسورة التي هي جمع سوار لإبهام أمرها في الحسن {مّن ذَهَبٍ} {من} للتبيين {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مّن سُنْدُسٍ} ما رَقَّ من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٍ} ما غلظ منه أي يجمعون بين النوعين {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا على الأرائك} خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم {نِعْمَ الثواب} الجنة {وَحَسُنَتْ} الجنة والأرائك {مُرْتَفَقًا} متكأ.
{واضرب لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ} ومثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل، أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا. وقيل: هما المذكوران في (والصافات) في قوله: {قال قائل منهم إني كان لي قرين} [الصافات: 51] ورثاً من أبيهما ثمانية آلاف دينار فجعلاها شطرين، فاشترى الكافر أرضاً بألف دينار فقال المؤمن: اللهم إن أخي اشترى أرضاً بألف دينار وأنا أشتري منك أرضاً في الجنة بألف فتصدق به، ثم بنى أخوه داراً بألف فقال: اللهم إني أشتري منك داراً في الجنة بألف فتصدق به، ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال: اللهم إني جعلت ألفاً صداقاً للحور، ثم اشترى أخوه خدماً ومتاعاً بألف دينار فقال: اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق، به ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله {جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب} بساتين من كروم {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} وجعلنا النخل محيطاً بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة. يقال حفوه إذا أطافوا به، وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيد الباء مفعولاً ثانياً {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} جعلناها أرضاً جامعة للأقوات والفواكه، ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق.


{كِلْتَا الجنتين اتَتْ} أعطت حمل على اللفظ لأن اللفظ {كلتا} مفرد ولو قيل (آتتا) على المعنى لجاز {أُكُلُهَا} ثمرها {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ} ولم تنقص من أكلها {شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَراً} نعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به وهو النهر الجاري فيها.
{وَكَانَ لَهُ} لصاحب الجنتين {ثَمَرٌ} أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثره أي كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وغيرهما له ثمر. {وأحيط بثمره} بفتح الميم والثاء: عاصم، وبضم الثاء وسكون الميم: أبو عمرو، وبضمهما: غيرهما {فَقَالَ لصاحبه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع، يعني قطروس أخذ بيد المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويفاخره بما ملك من المال دونه {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أنصاراً وحشماً، أو أولاداً ذكوراً لأنهم ينفرون معه دون الإناث.


{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} إحدى جنتيه أو سماها جنة لاتحاد الحائط، وجنتين للنهر الجاري بينهما {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} ضار لها بالكفر {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً} أي أن تهلك هذه الجنة، شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} كائنة {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً} إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض كما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيراً من جنته في الدنيا إدعاء لكرامته عليه ومكانته عنده {منقلباً} تمييز أي مرجعاً وعاقبة {قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} أي خلق أُصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه وكان خلقه خلقاً له {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي خلقك من نطفة {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال جعله كافراً بالله لشكه في البعث.
{لَكُنَّا} بالألف في الوصل: شامي، الباقون بغير ألف، وبالألف في الوقف اتفاق، وأصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية بعد أن سكنت {هُوَ الله رَبّى} هو ضمير الشأن والشأن الله ربي والجملة خبر {أنا} والراجع منها إليه ياء الضمير، وهو استدراك لقوله {أكفرت} قال لأخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن موحد كما تقول: زيد غائب لكن عمراً حاضر، وفيه حذف أي أقول هو الله بدليل عطف {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا وَلَوْلاَ} وهلا {إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله} {ما} موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره: الأمر ما شاء الله، أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف يعني أي شيء شاء الله كان والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله، اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئة الله، وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها، {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده. من قرأ {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً} بنصب {أقل} فقد جعل {أنا} فصلاً ومن رفع وهو الكسائي جعله مبتدأ و{أقل} خبره والجملة مفعولاً ثانياً ل {ترني} وفي قوله: {وَوَلَدًا} نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله: {وأعز نفرا}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8